يرى القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش، في حوار طويل مع "مجلة الدراسات الفلسطينية"، أن التحولات في العالم العربي ستكون في نهاية المطاف لمصلحة القضية الفلسطينية، لأن الكيان الصهيوني خسر في معظم البلاد العربية مَن كان مسانداً له وحامياً طوال 60 عاماً، ولأن المجتمعات العربية عندما تكون حرة وصاحبة سيادة فهذه مقدمات للتحول نحو فلسطين. وفي هذا السياق أبدى البطش تفاؤله بأن مصر ما بعد "ثورة يناير" 2011 أخذت تستعيد دورها العربي الفاعل، مستدركاً أنه يجب إعطاء القيادة المصرية الوقت الكافي لترتيب أوراقها الداخلية، لافتاً إلى كون التحول المصري من أهم التحولات العربية باعتبار مصر أكبر دولة عربية ودولة محورية في المنطقة لا يمكن من دونها تحرير فلسطين واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
أمّا في الشأن السوري فقد دعا البطش إلى تسوية تستجيب لمطالب الشعب السوري والحوار الداخلي، سعياً لحماية سورية من التقسيم وإبعاد التدخل الدولي والإقليمي. وعن الأزمة الفلسطينية الداخلية، اعتبر البطش، وهو رئيس لجنة الحريات المنبثقة من اتفاق القاهرة، أن الوضع السائد حالياً هو "إدارة انقسام وتعايش مع الانقسام"، متوقعاً ضغوطاً أكبر على "حماس" و"فتح" في شأن المصالحة عقب وصول الرئيس محمد مرسي إلى السلطة في مصر.
فلسطين و"الربيع العربي"
معين رباني: أود في البداية أن أشكرك على إعطائي الفرصة لإجراء المقابلة معك، وأسألك عن تقويمك للتغيرات الإقليمية وتقديرك لتأثير هذه التغيرات في القضية الفلسطينية، وما إذا كنت تراها عاملاً إيجابياً أو سلبياً؟
خالد البطش: بسم الله الرحمن الرحيم.. أكرر شكري وترحيبي واعتزازي بهذا اللقاء. أمّا فيما يتعلق بالتغيرات الإقليمية وثورات الشعوب العربية، فدعنا في البداية نوصّف ما حدث في المنطقة العربية.
إن الشعوب العربية أرادت أن تستكمل مسيرة التحرير، والتحرر هذه المرة من الحكام المستبدين والظلمة والفاسدين. فبعد أن استعادوا وحرروا أرضهم في ستينيات القرن الماضي وخمسينياته، جاءت مرحلة تحرير الإنسان العربي من الاستبداد والطاغوت والأنظمة المستبدة والعميلة للغرب والعدو الإسرائيلي. هذا ما حدث بالضبط، لكن الأميركيين، أو ربما الغرب وبعض القوى الإقليمية، أرادوا أن يمتطوا صهوة هذه المطالب الشعبية التي تركزت في الحرية والمشاركة السياسية والعدالة والديمقراطية وتداول السلطة، وأن تكون الشعوب حرة ولها الخيار الأكيد في اختيار مَن يمثلها في البرلمان ومن يحكمها.
أراد بعض القوى أن يركب صهوة هذه المطالب المشروعة للشعوب العربية عامة، وأن يتحكم في مسارات الثورات في بعض الدول، وبالتالي اليوم هناك تغيرات إقليمية إذ نجحت الثورات في بعض البلاد ولم تنجح في بلاد أُخرى، ومازال بعضها مستمراً، لكن التغيرات بصورة عامة ستكون حتماً لمصلحة القضية الفلسطينية باعتبار أن الكيان الصهيوني خسر في معظم المعارك، وفي معظم بلاد العرب، مَن كان مسانداً له لستين عاماً، فوزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن ـ إليعيزر اعتبر أن مبارك كنز استراتيجي خسرته إسرائيل، وكذلك القذافي وبن علي. هؤلاء الحكّام كانوا مع إسرائيل وكانوا يشكلون حصناً وأماناً وموانع أمام حركة الجماهير، وبالتالي كانوا عبارة عن حواجز أمنية لضمان أمن إسرائيل. هؤلاء الناس زالوا اليوم، وبالتالي عندما تتحرك الشعوب العربية وتثور وتختار مَن يحكمها، وعندما تكون صاحبة الأمر والنهي في أن يصل إلى السلطة مَن تريد بشكل ديمقراطي وانسيابي، فبالتأكيد نحن نريد لهذه الشعوب أن تكون حرة، صاحبة قرار، وصاحبة سيادة على أرضها، لأن هذه مقدمات للتحول إلى ناحية فلسطين، وبالتالي، فإن التغيرات كلها حتى هذه اللحظة، في مصر وليبيا وتونس، تصب بالتأكيد في مصلحة القضية الفلسطينية على المستوى السياسي وعلى المستوى الإنساني وعلى مستوى دعم القضية الفلسطينية من أجل تحرير الأرض واستعادة كرامة الفلسطيني وإحقاق حقوقه المشروعة في العودة وإقامة الدولة.
مصر وفلسطين
س - في مصر التغيير يعتبره معظم المراقبين لمصلحة القضية الفلسطينية عامة، وأهالي قطاع غزة خاصة، بسبب الحصار وغيره... أمّا الوضع في سورية فمختلف، فمقرّ الجهاد الإسلامي في المنفى هو في دمشق، ويجوز أن يكون لديكم مخاوف من سقوط النظام السوري، أي أن يكون لذلك أثر سلبي، كيف تقوّم الحالتين؟
ج - نبدأ بالوضع في مصر في الأساس. فمصر أولاً، بالتأكيد ولأسباب كثيرة، يُعتبر التحول فيها من أهم التحولات لأنها أكبر دولة عربية في المنطقة، وهي دولة رائدة ومحورية في المنطقة ولا يمكن أن يتم تحرير فلسطين أو استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من دونها. وبالتالي، عندما غابت مصر منذ غياب (الرئيس المصري الراحل جمال) عبد الناصر وبعد حرب أكتوبر / تشرين الأول المجيدة، غابت عن الدور العربي وضاعت القضية الفلسطينية، وعندما تعود مصر اليوم إلى الفعل وإلى الدور العربي وتتبنّى قضايا الشعوب العربية وقضية الشعب الفلسطيني فهذا بالتأكيد سيكون لمصلحة القضية الفلسطينية، وعودة للأمل في فلسطين.
ثم إن مجيء نظام في مصر من خلال صندوق الاقتراع وبإرادة شعبية كبيرة، إذ شارك في العملية الديمقراطية 25 مليون هم كلهم في نهاية المطاف شركاء في العملية الديمقراطية والرئيس مرسي جاء بناء على عملية ديمقراطية كبيرة ومعقدة وطويلة، وبالتالي، عندما يأتي هذا المرشح، مرشح الثورة في مصر وينجح في الانتخابات في الدورة الثانية، ثم تصبح له إرادة وحرية في أن يحدد ما يريد من العلاقات ويعلن أنه سيمحو إلى الأبد قصة التبعية للغرب أو الشرق في علاقات مصر الخارجية، فهذا مؤشر إلى أن دور مصر الكبير قادم، وأن مصر عادت إلى ملف فلسطين، وإلى دورها كدولة عربية كبيرة، وبالتالي نحن نعتبر التحول في مصر لمصلحتنا، وأن وجود رئيس منتخب مثل محمد مرسي، ووجود برلمان منتخب ومجلس شورى منتخب، وكذلك إلغاء التبعية للغرب كما ورد في خطاب الرئيس مرسي، كل ذلك مؤشرات إلى دور مصر القادم والفاعل في المنطقة، وهذا بالتأكيد سيعكس نفسه على العلاقات مع الشعب الفلسطيني. ونظراً إلى أن قطاع غزة هو أقرب نقطة إلى مصر، فبالتأكيد أن المنفعة والتحول، إن شاء الله تعالى، سيلامسان أولاً قطاع غزة، وبالتالي نحن نرحب بهذا التحول وندعو الله أن تبقى مصر آمنة مطمئنة وأن يوفّقها المولى للارتقاء بمصالح الشعب المصري وتطلعاته في الحياة الكريمة الاقتصادية والعسكرية والفنية وغيرها من النواحي ومن المتطلبات الحياتية.
س - لن أطلب منك أن تعلق على الإشكالات الداخلية في مصر، لكن إذا تحدثنا عن توقعات ملموسة، فهل تتوقع على سبيل المثال أن يرفع الحصار عن قطاع غزة؟ وهل من المتوقع أن تتخلى مصر عن اتفاق كامب ديفيد؟ وما هي توقعاتك على المدى القريب؟
ج - ما نطلبه من مصر هو أن يتم إلغاء اتفاق كامب ديفيد، وأن يتم إنهاء الحصار وفتح المعابر أسوة بشعوب المنطقة كلهم، وأن تلتفت مصر إلى الشعب الفلسطيني عامة. هذا ما نريده، لكن مصر مثقلة بالقضايا الداخلية والرئيس مرسي، أو ربما مصر الآن بعد الثورة، تحتاج إلى وقت، ونحن يجب أن نعطي مصر الوقت الكافي كي ترتب أوراقها الداخلية وتبني بيتها الداخلي وتنتهي من بعض الإشكاليات التي يعيشها هذا التحول الديمقراطي، وبالتالي نحن لا نستعجل مصر، مصر آتية آتية لا محالة، لذلك نحن نقول نريد أن نعطي مصر الوقت الكافي، فهي آتية إلينا وقادمة إلى فلسطين، لكن يجب أن نعطيها، حكومة وشعباً وقيادة، الوقت الكافي كي ترتب أوراقها الداخلية بما يضمن سلامتها وسيادتها على أراضيها.
الموقف في سورية
أمّا بالنسبة إلى الموضوع في سورية: أولاً نحن نقول من خلال تعريفنا بالثورات إن هناك مطالب شعوب، ونحن، في البداية، كحركة جهاد إسلامي وكشعب فلسطيني، بالتأكيد مع المطالب العادلة للشعب السوري، المطالب العادلة من حيث الديمقراطية، والعدالة، والمساواة، والشراكة السياسية، واختيار ما يريده الشعب السوري، وأن يحكم نفسه بنفسه، وأن ينتخب رئيسه. لكن أين يكمن الخوف؟ إن الخوف يكمن في التدخل الدولي والإقليمي في الملف السوري، وللأسف، حاولت أميركا والغرب وبعض الدول الإقليمية أن تعتلي صهوة المطالب المشروعة للثورة والشعب السوريين كي تتدخل في الشأن السوري، وبالتالي سمعنا أصواتاً نشازاً في هذا الموضوع تريد أن تتدخل بشكل سافر، ومن هنا نحن ندعو إلى الاستجابة لمطالب الشعب السوري، وإلى حوار سوري داخلي وطني يحمي أراضي سورية من التقسيم ويستجيب للمطالب الشعبية ويرفض التدخل الدولي والإقليمي ويحقن الدم السوري، إذ لا بد من أن نحافظ على سورية، وأن نحرص على حقن الدماء في هذا القطر الشقيق.
س - لكن الدلائل كلها تشير إلى أن النظام السوري يعتبر التحرك الشعبي داخل سورية قضية أمنية يجب حلها بطريقة أمنية، وأنه ليس هناك حراك مشروع، فإذا رفض النظام السوري الحوار الداخلي والإصلاح الداخلي فما هو موقفكم؟
ج - أود أن أشير في البداية إلى أنه في سورية هناك 600.000 فلسطيني، والسوريون تعاملوا مع الشعب الفلسطيني على مدار الصراع كأبناء وكإخوة عرب لهم، ولا توجد دولة عربية حتى هذه اللحظة تعامل الفلسطينيين مثلما يتعامل الشعب السوري مع الشعب الفلسطيني من حيث الحقوق والواجبات والتعليم المجاني وحرية التعليم والتحرك والبناء والزواج، وهذا مقدّر للشعب السوري عامة، ولسورية بصورة عامة. لكن نحن لا نتدخل صراحة في الأزمة الداخلية، لن نكون مع طرف ضد طرف، نحن نقول أننا ضيوف في سورية، وبالتالي ندعو إلى حقن الدم، وإلى الوحدة والحوار الداخلي، ونعتقد أن الأزمة سياسية ويجب أن تُحَلّ عبر الحوار وليس عبر استخدام القوة من أي طرف من الطرفين.
س - يلاحَظ أيضاً أن قيادة الجهاد ما زالت في سورية؟
نعم صحيح، نحن لم نغادر سورية. السؤال هو: لماذا نغادر سورية؟ كما قلت لك في سورية نحو 600.000 لاجئ فلسطيني، وقيادة الجهاد جزء من هؤلاء اللاجئين والمطرودين من أرضهم، وبالتالي إلى أين يذهب الناس؟
المحاذير فقط أن يدخل "الموساد" إلى سورية أو "البلاك ووتر" كي يصفيا الناس جسدياً كما حدث ربما في لبنان، أو ربما قبل ذلك في العراق.
نحن ضيوف في هذا القطر ومن مصلحتنا أن ندعو إلى حوار وإلى حقن الدماء وإلى رفض التدخل الدولي والإقليمي في [شؤون] الشعب السوري.
س - طبعاً تركيبة سورية تختلف كثيراً عن دول مجاورة مثل لبنان أو العراق، وفي الوقت نفسه هناك مخاوف من أن يصبح الفلسطينيون طرفاً في الصراع السوري، أو يُستهدَفوا من أحد الأطراف مثلما حدث في لبنان أو العراق؟
ج – نعم. يجب أن نؤكد أولاً أن التركيبة السورية تركيبة فسيفسائية، وهي تشكل شبكة أمان وحصانة من التقسيم، لكن إذا لا قدّر الله انهارت سورية فأقرب خيار سيكون التقسيم ونحن نحذّر من هذا الموضوع، وبالتالي ندعو السوريين عامة إلى بدء حوار وطني صحيح وحقيقي لإنهاء الأزمة الداخلية، لكن أن ينجرف الفلسطيني، أو أن يحاول بعض الأطراف زج الفلسطيني في الأزمة الداخلية، فإن هذه محاولات لن تتوقف أكانت محاولات خارجية أم حتى من بعض الأطراف، وأنا أدعو شعبنا الفلسطيني في الداخل السوري في المخيمات الفلسطينية في دمشق وفي حمص وحلب وفي كل مكان إلى الابتعاد عن الأزمة الداخلية في سورية. نحن ضيوف في هذا البلد وليس من مصلحتنا أن نتحزب لفريق ضد آخر، وليس مطلوباً منا أن نعطي موقفاً مؤيداً أو معارضاً. لم يأت إلينا أحد ليقول أعطونا موقفاً، وإن أعطينا موقفاً فهل هذا سينهي الأزمة؟ لو قلنا أن يرحل هذا النظام هل سينتهي هذا الأمر؟ لو قلنا إن المعارضة خطأ هل سينتهي الأمر؟ لذلك نحن نقول نحن ضيوف، مصلحتنا أن تبقى سورية موحدة وأن تُحقن الدماء ويتحاور الجميع لحل الأزمة السياسية في سورية، وأنا أدعو الجميع إلى عدم توريط الفلسطينيين في الأزمة الداخلية، كما أدعو الجانب الفلسطيني والشعب الفلسطيني في سورية إلى الانتباه والحذر وعدم الزج بنفسه في أتون الأزمة الداخلية في سورية.
س - لكن هذا موقف مختلف عن موقف "حماس" التي غادرت قيادتها كلها تقريبا دمشق، أو الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة التي أخذت موقفاً معلناً في تأييد النظام؟
ج - أولاً، لم يُطلب من أي فلسطيني موقف، ومن غير اللائق أن نتبرع نحن بموقف معادٍ أو مؤيد أو معارض. لم يجبرنا أحد على أن نعلن موقفاً لمصلحتة، ونحن يجب أن نعتبر من تجارب الماضي. أنا أذكّر فقط بتجربة الكويت والعراق، ما الذي حدث للفلسطينيين في الكويت وما الذي جرى للفلسطينيين في العراق اليوم وقد أُخرجوا إلى مخيمات التنف وغيره؟ هل المطلوب أن يخرج الفلسطيني من سورية لاجئاً إلى أي بلد آخر؟ هل المطلوب أن يُقتل فلسطيني؟ هل المطلوب أن يكون طرفاً في أزمة داخلية؟ نحن نقول: موقفنا واضح ولسنا طرفاً ولا نريد لأحد أن يكون طرفاً، وإذا كان هناك فريق فلسطيني يأخذ على عاتقه موقفاً، فهذا رأيه، لكن نحن لنا رأينا. دعنا نحكم على موقف الجهاد بهذه الطريقة، نحن غير مستفيدين من حدوث حرب أهلية في سورية، نحن نريد سورية موحدة وقوية، أن تبقى قوية وأن تحل أزمتها الداخلية بالحوار وأن تستعيد عافيتها إن شاء الله عمّا قريب كي تواصل دورها القومي والعروبي في دعم القضية الفلسطينية. لا أحد طلب من الفلسطينيين أن يأخذوا موقفاً لا مع ولا ضد، فلماذا نتطوع نحن بموقف قد ينعكس على الشعب الفلسطيني في المخيمات؟
بين مصر وسورية
ج - هذا الموقف مختلف عن موقف معظم الفصائل الفلسطينية بالنسبة إلى ما حدث في مصر؟
ج - نعم، في مصر لم تجرِ معارك، وفي مصر كان النظام، من دون أي شك، يحمي أمن إسرائيل. وأنا أذكر على سبيل المثال أن النظام في مصر، أقصد الرئيس (المصري السابق حسني) مبارك ومَن كان معه في الحكومة السابقة، كانوا متواطئين في الحرب على غزة. [وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي] ليفني كانت في القاهرة قبل ثلاثة أيام [من بدء الحرب على غزة]. اليوم لا يمكن لإسرائيل أن تعلن الحرب على غزة من القاهرة، هذه القضية يجب أن تكون حاضرة. لكن التعامل مع قضية مصر، والدعم والتأييد المطلق للثورة من دون شروط، أمور كانت نتيجة هذه المواقف. عندما يُباع الغاز لإسرائيل، عندما تُغلَق المعابر على غزة، وعندما يُسام الفلسطيني سوء العذاب من طرف بعض أجهزة الأمن في مصر، وجرّاء الحصار والإغلاق والتقطيع الفلسطيني، بينما يوجد في مصر خير كثير ونحن أشقاء، هذا النظام عاقبه شعبه. أنا فقط أقول أميركا تعاملت مع الثورات في اتجاهين هناك أنظمة عميلة لأميركا وإسرائيل ثارت عليها شعوبها، وهناك أنظمة ليست عميلة لأميركا وإسرائيل لكنها أخطأت في الحكم الذي شابه طبعاً فساد وغيره، لكنها ليست عميلة لإسرائيل.
"التفاوض" و"المقاومة"
س - أود أن أنتقل إلى الوضع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. في الواقع الحالي السلطة في رام الله تبنت استراتيجيا التفاوض، بينما لا يوجد أي أفق للتفاوض على حل سياسي، كما أن السلطة في غزة تبنت استراتيجيا المقاومة وفي الوقت نفسه لا يوجد برنامج مقاومة. أتصور أن كثيرين من الفلسطينيين، بل ربما معظمهم، يشعرون بجمود في المنهجين. ما هو تقويمكم كجهاد إسلامي؟
ج - عندما نقارن بين المنهجين، نرى ظلماً كبيراً. كثيرون من الناس الذين لا يخوضون تجربة المقاومة وليس لهم علاقة بها يستهونون دائماً أن يقولوا إن هناك عجزاً في الملف السياسي أو في المقاومة، طبعاً هم لا يعرفون أساساً ما هي المقاومة وما هي إمكاناتها. نقول نعم هناك فارق بين مشروع يوصل إلى ضياع حق الشعب الفلسطيني ومشروع يتبنّى استعادة هذا الحق، هناك فارق بين مَن يخوض اشتباكاً تفاوضياً كلامياً مع العدو ومَن يخوض اشتباكاً دائماً مع العدو الإسرائيلي. في موضوع المشاريع، جميع الملاحظين والمراقبين، حتى الرئيس [الفلسطيني محمود عباس] أبو مازن والدكتور صائب عريقات وكل مَن خاض تجربة التفاوض مع إسرائيل يقولون إن هذه التجربة فاشلة، وأنهم وصلوا إلى صفر كبيرة، وإن إسرائيل تتحكم في كل شي، وعلى الأرض لا توجد إنجازات. أنا أسأل كيف خرجت إسرائيل من غزة؟ وكيف خرج المحتل من غزة؟
حسناً، إذا لم تخرج من غزة عبر المقاومة وخرجت بالمفاوضات، فليتفضلوا ويخرجوها من الضفة الغربية بالمفاوضات، فليتفضلوا! هل يمكن أن يذكروا ماذا أنتجوا من خلال التفاوض خلال 20 عاماً. وبالتالي إنه خيار عقيم ومضيعة للجهد الفلسطيني، وهو فقط يساعد إسرائيل على تحسين صورتها أمام الرأي العام العربي والدولي والإسلامي والأممي. إن هذا الكيان كيان لا يسعى للسلام، وفي الحقيقة هو يستخدم التفاوض كمظلة للاستيطان ولتهويد القدس ولإخراج الناس من بيوتهم.
عشرون عاماً من التفاوض لم تُعِد لأم كامل كردي في القدس بيتاً هُدّم، وما زالت خيمتها شاهدة في باب العمود، أو في حي سلواد وغيره من أحياء القدس، بينما خيار المقاومة والجهاد أخرج المحتلين من غزة ومن 22 مستعمرة. يا أستاذي الفاضل، كان الإسرائيليون يعيشون في غزة، وقد خرجوا منها في تشرين الأول / أكتوبر 2005 رغم أنفهم، وبالتالي هذا المشروع أنجز شيئاً. الآن كان يجب أن يستمر الهجوم من أجل تطهير بقية الأرض، لكن غَرَقنا في التفصيلات والانقسام، وفي الحياة السياسية والقتال بين "فتح" و"حماس"، كبح المقاومة قليلاً، لكنه لم يُلغ الحقيقة بأن هذه المقاومة بوسائلها البسيطة والبدائية استطاعت أن تُخرج الإسرائيليين في أقل من أربعة أعوام من قطاع غزة.
يا سيدي من سنة 1993 إلى اليوم، لم يُخْل الاحتلال مستعمرة واحدة في الضفة الغربية إلاّ بفضل ضربات المقاومين. تركوا [مستعمرة] حومش، ثم الآن عندما تراجعت حدة المقاومة عاد المستوطنون إليها من جديد...
إن مشروع المقاومة يرفض الإعتراف بإسرائيل ويرفض إعطاءها شرعية في فلسطين ويرفض التعامل معها، وبالتالي يعرف هذا العدو أن هذا المشروع ضده، وهو ما يستدعي منا الجهوزية.
يعرف العدو قبل الصديق أن إمكانات المقاومة في قطاع غزة تغيرت. العدو الآن ليس في استطاعته أن يفعل ما يشاء في غزة، وهو يدرك ذلك. في الماضي كانت بيوت الناس تُقصف بالصواريخ والطائرات والمدافع بينما يبقى المستوطنون آمنون في مستعمراتهم، أمّا اليوم فإن إسرائيل لا تجرؤ مطلقاً على أن تعود إلى السيرة الأولى لأنها تدرك أن أي غارة جوية على غزة ستقابلها غارة صاروخية على المستعمرات المجاورة. هذا ردع للإسرائيليين الذين باتوا يفكرون ألف مرة قبل الهجوم على غزة. انتهت نظرية أن تبقى غزة ساحة للقصف الجوي والتدريب والرماية والقصف بالدبابات والطائرات والسفن العسكرية، لأن المقاومة في غزة واجهتها بصواريخ محلية الصنع أو بصواريخ شعبية، قذائف كما يسميها الناس، وهذا أوجد حالة من الرعب والردع عند الإسرائيليين.
س - على النمط الجنوب اللبناني؟
ج – نعم على النمط الجنوب اللبناني. هذه المعادلة موجودة الآن في قطاع غزة. وهذا الكلام لم يأتِ بالتفاوض، وبالتالي أنا أقول: المقاومة هي الأساس، والحديث في السياسة حتى اللحظة لم يعطنا شيئاً، والدليل أن مَن وقّع اتفاق السلام مع إسرائيل قُتل مسموماً، وما زلنا نتقفى آثار قتلة (الرئيس الراحل ياسر عرفات) أبو عمار. إذاً أي مشروع هذا الذي لا يحمي حتى مَن وقّعه؟ هذا المشروع مضلل. مشروع التسوية السياسية مع إسرائيل مشروع مضلل للشعب الفلسطيني، مشروع يضلل الرأي العام، يعطي صورة بأنها دولة تبحث عن السلام، لكنها في الوقت نفسه تهوّد القدس وتبني تحت الأقصى كنيس الخراب وخيمة سليمان ومتحف البطولة، وربما غداً تواصل تهويد القدس لدرجة تمنع فيها حتى الصلاة، وهناك محاولات مستمرة اليوم لتقسيم الحرم القدسي أسوةً بـ [الحرم] الإبراهيمي. .. ربما تراجعت المقاومة قليلاً في الضفة بسبب السلوك المطمئن لخيار التفاوض، فقد ظن الكيان أن استنكارات فريق السلطة كلها، واستنكارات فريق التفاوض جميعاً، هي استنكارات وشجب واحتجاجات لفظية فقط، وهو ما ساعد إسرائيل على أن تتغول أكثر.
س - ما هي توقعاتك بالنسبة إلى الفترة المقبلة؟ هل تتوقع أن تنفّذ إسرائيل انسحاباً جزئياً من الضفة؟ وهل تتوقع اجتياحاً جديداً لقطاع غزة؟ وما هي قراءتك لنية إسرائيل واستراتيجيتها في الفترة المقبلة؟
ج - أنا أعتقد أن التغيرات العربية الراهنة في المنطقة ربما تفضي بخبراء أميركيين، وحتى بالمستشارين الأميركيين، إلى أن ينصحوا إسرائيل بأن تعطي فلسطين شيئاً، كي يحبطوا الثورة العربية، وهم يقولون إن على إسرائيل أن تعطي شيئاً فأعطوا فرصة للسلام مرة أُخرى، أتوقع ذلك لكن هذا أيضاً لن يكون رهناً بالأداء الحالي للسلطة، هذا سيكون خوفاً من الثورات العربية، وهذا شيء أيضاً غير مضمون، وبالتالي الشيء الذي يمكن أن أتحدث فيه بقوة هو محاولة إسرائيل الجاهدة ضرب قطاع غزة قبل أن تسترد مصر قدرتها على الردع. هذا أمر أنا أتوقعه في كل لحظة على الرغم من أن في مصر تحولات كبيرة. فكرة أن تقوم إسرائيل بضرب غزة واردة، فإسرائيل كما عوّدتنا لا تريد أن يكون خط حدود 1948 مع غزة خطاً ساخناً. هي تريد أن ترى غزة مدمرة والمقاومة مستسلمة والأمور بعيدة عن خيار المقاومة والجهاد. والتهديد الأخير من طرف الإسرائيليين بضربة كبيرة لغزة، يؤكد ضرورة أن نأخذه على محمل الجد.
لكن المسألة التي تطرح نفسها دائماً هي أن إسرائيل غير قادرة على حسم المعركة في غزة. تستطيع أن تبدأ بالضربة الأولى، لكنها لا تستطيع أن تحسم الضربة الأخيرة. تستطيع أن تبدأ الهجوم لكن وقفه لن يكون بيدها، أضف إلى ذلك أن إسرائيل لا تضمن عدم وقوع خسائر بين المستوطنين، ولا حجم العملية، حجم الرد الفلسطيني وشكله ومداه وقدرته، فهذه الأشياء لا تعرفها إسرائيل حتى الآن، وهي بالتأكيد ستكون كلها مفاجأة لها إذا ما بدأت بالحرب، أو إذا ما قامت بعدوان على قطاع غزة. هذه العوامل كلها يتعيّن على الإسرائيليين أن يفكروا فيها جيداً قبل أن يُقدموا على ضرب قطاع غزة، لكن من حيث المبدأ هل نتخوف؟ نعم نتخوف. هل نأخذ التهديد الإسرائيلي على محمل الجد؟ نعم، ليس هناك ضمان لعدم قيام إسرائيل بعملية كبيرة في غزة.
الجهاد واستراتيجيّتا "السلطة" و"حماس"
س - الصحف الإسرائيلية ملأى بالمقالات عن تحولات كمية ونوعية في السلاح المتوفر للمقاومة في قطاع غزة. استراتيجيا السلطة في رام الله واضحة ومعروفة للجميع، وكذلك استراتيجيا "حماس". هل يمكن أن تضعنا بصورة استراتيجيا الجهاد الإسلامي؟
نعم، نحن نؤمن بأننا نعيش مرحلة تحرر وطني فلسطيني وأن المرحلة لا تحتمل وجود سلطة هنا أو سلطة هناك، وبأن الدخول في تسوية وإعلان سلطة فلسطينية كانا خطوة استباقية مع الأسف الشديد من صانع القرار الفلسطيني .
س - هذه إشارة لاتفاق أوسلو؟
ج - بالضبط. هو خطوة استباقية لجني ثمرة غير ناضجة، وهي "عجرة" "ومُرّة شوي"، لقد كان اتفاق أوسلو مرّاً وجرّعنا العلقم، وبالتالي هذه الخطوة الاستباقية نتج منها مشروع السلطة الفلسطينية.
اليوم ما هي الاستراتيجيا؟ نحن نعتبر أنفسنا في مرحلة تحرر وطني، وبالتالي نحن نعلن أنفسنا كحركة تحرر وطني وإسلامي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يتطلب منا الإبقاء على شعار المقاومة وعلى خيارها كخيار لاسترداد الأرض. الآن الواقع في فلسطين هو أن هناك سلطة لـ "حماس" وسلطة للإخوة في "فتح"، وهذا يعوق مشروع المقاومة ويؤثر فيها سلباً، لكن في جميع الحالات نحن في هذه المرحلة نعتبر أن الأساس هو استمرار المقاومة والجهاد، الأساس أن نتخلص من اتفاق أوسلو، ومرجعياته السياسية. إذا استطعنا أن ننهي أوسلو وأن ننهي مرجعيته في السلطة فهذا شيء جيد، وفي جميع الأحوال يجب أن يكون واضحاً أن هذه الأرض محتلة، وأن المقاومة والجهاد والتحرير هي الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق مع رفضٍ للتسوية كلها مع إسرائيل.
س - هل تطالب الجهاد الإسلامي بحل السلطة سواء في الضفة أو القطاع، أو يعتبرونها واقعاً من الصعب تجاوزه؟
ج - هذا الأمر يحتاج إلى حوار وطني فلسطيني. السلطة الآن يتعلق بها كثير من الفلسطينيين من حيث العمل والوظائف وتقديم الخدمات، وبالتالي من الأفضل أن يكون هناك سلطة، من الأفضل للقضية الفلسطينية أن يكون لها سلطة. [غير أن] هذه السلطة توفر عبء الاحتلال على إسرائيل وتقوم بدور خدماتي للشعب الفلسطيني. الآن البعض لا يشاركنا هذا الرأي القائل إن قوة مثل "فتح" و"حماس" واليسار شركاء في السلطة، ولذلك نحن كي نكون منطقيين فإننا ندعو إلى النقاش بشأن هذه النقطة. هل من مصلحتنا أن تبقى السلطة بهذه الطريقة، أو أن تبقى السلطة لكن بمرجعيات مختلفة على سبيل المثال، أو أن نعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية للشعب الفلسطيني؟ هل تكمن مصلحتنا في بناء المنظمة أو في التخلص من السلطة أو إلغاء مرجعياتها وتطوير أدائها بحيث تصبح خطوة إلى الأمام في اتجاه وطني وليس [عبر] اتفاق سياسي مع إسرائيل، أو أن تكون مرجعيتها قراراً فلسطينياً من المجلس الوطني أو الجامعة العربية أم لا؟ لكن موضوع حل السلطة بحاجة إلى نقاش وطني، وأنا أدعو في الأساس إلى الانتباه إلى بناء المنظمة لأن المنظمة في نهاية المطاف هي التي يمكن أن تدير الشأن الفلسطيني في الداخل والخارج.
س - من الواضح أن إعادة بناء المنظمة تعترضها عقبتان: الأولى الانقسام، والثانية عدم وجود إرادة لدى القيادة الحالية لمنظمة التحرير لإدخال "حماس" والجهاد الإسلامي في منظمة التحرير؟
ج - يجب أن نعترف بأن "القاعدين" في المنظمة من 40 عاماً وأكثر، ليسوا معنيين بأن يُدخلوا شركاء أقوياء في المنظمة مثل "حماس" والجهاد الإسلامي، لكن أنا أقول إن من مصلحة الجميع أن تكون "حماس" في المنظمة، كي تصبح المنظمة ممثلة لجميع الشعب الفلسطيني، وعندما تكون المنظمة ممثلة للشعب الفلسطيني وجميع القوى والجهاد و"حماس" فإنها تمثل شيئاً مهماً للشعب الفلسطيني. لذلك أنا أدعو إلى إعادة البناء، أمّا إنهم لا يريدون هذا الأمر أو يريدونه، فهذه مسألة غير خاضعة للمزاج. القرار الوطني بإعادة بناء المنظمة اتخذناه في القاهرة في 4 أيار / مايو 2011، ونعم هناك الآن بعض الإشكاليات وبعض المعوقات، لكن في نهاية المطاف هذا قرار اتُّخذ ويجب أن يُنفّذ، وأنا أدعو في هذه المناسبة الإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي اتُّفق عليه في القاهرة إلى الانعقاد بهدف تفعيل وإعادة بناء المنظمة ووضع الاستراتيجيا الوطنية الموحدة لإدارة الصراع مع إسرائيل وترتيب وضع فلسطين في الداخل بما يضمن عدم تكرار الانقسام، واستمرار المقاومة المشروعة لشعبنا وفق أسس وطنية متفق عليها.
المصالحة
س - إذا انتقلنا إلى ملف المصالحة، ما هو تشخيصكم لأسباب الانقسام أولاً، وما هي برأيكم الأسس المطلوبة لإنهائه؟
ج ــ لقد نتج الانقسام الفلسطيني الداخلي في تقديرنا من اختلاف في البرامج، ومن حدوث خلل في التوجهات العامة، بمعنى أن هناك برنامجاً له علاقة بالعمل الدبلوماسي والحل السياسي والتسوية السياسية وكان فارضاً نفسه على الحياة الفلسطينية، وهناك برنامج المقاومة الذي كبر في الانتفاضة بسبب تضحيات كبيرة قدمها الفلسطينيون. والآن قرر طرف من أطراف المقاومة أن يكون شريكاً في الحياة السياسية، وعندما قبل أن يكون شريكاً في الحياة السياسية ودخل الانتخابات، جاءت النتائج لمصلحته، وبالتالي لم يقبل فريق بنتائج الانتخابات وبدأت المشاكل، لأنه على ما يبدو حتى المجتمع الدولي، ومَن رحّب بدخول "حماس" إلى الحياة السياسية، فاجأهما فوز "حماس" الكبير، وبالتالي كأنهما أرادا أن تفوز حماس بأقلية كي تبقى في المعارضة ولا تفعل شيئاً. النتائج قلبت الموازين، ومن هنا بدأت المشكلة. في جميع الأحوال كنا نتمنى نحن في الجهاد ألاّ تذهب "حماس" إلى السلطة وهذا ما بلّغناها إياه عندما قررت الترشح. وقد نصحنا الإخوة في "حماس" بألاّ يدخلوا هذا المضمار.
س - لماذا ؟
ج - لأننا كنا نعتقد أن الذهاب إلى السلطة معناه تراجع في مشروع المقاومة وربما سيلتهون، وكنا ندرك مسبقاً أن الذهاب إلى السلطة والانتخابات سيعقبه حمام دم، وفي نهاية المطاف لن تُسلَّم السلطة إلى "حماس" كما يجب، وهي، من ناحية أُخرى، لن تقبل بأن تفوز ولا تحكم، فكانت النتائج كما توقّعنا، وهذا الكلام مسجل في محضر الاجتماع الذي عُقد في مكتب اللواء نصر يوسف (وزير الداخلية السابق) قبل الانتخابات بأسبوعين.
المشكلة أن الفريقين اختلفا في إدارة السلطة وفي إدارة قبول النتائج. "حماس" فازت ولم تحكم، شركاء السلطة الأوائل لديهم المقومات كلها، لكنهم لم يعطوا "حماس" فرصة، ثم بدأ الحصار على غزة وعدم قبول النتائج وطولبت "حماس" بالاعتراف باتفاقيات، وبأن تقبل بالاعتراف بإسرائيل، كأن جميع الملفات استُحضرت مجدداً للاعتراف بإسرائيل وبالشرعية الدولية وبالرباعية الدولية في حين أن هذا الكلام كله انتهينا منه وكان يجب ألاّ يُستحضَر في وجه "حماس". النتيجة أن القتال بدأ جرّاء الخلافات الأمنية ونتيجة الصراع الأمني، وعدم التعاون والتكامل في الأداء والأدوار، وبالتالي انفجرت الأحداث في قطاع غزة.
والحمد لله على جميع الأحوال، فقد بدأت جهود المصالحة، يعني أنا أعتقد أنه بعد ستة أعوام من الانقسام أدرك الفريقان أنه لا يمكن لفريق أن يُقصي الآخر. أدركت "حماس" و"فتح" بما لا يدع مجالاً للشك أن الإقصاء مستحيل وممنوع، وأن التفرد بالحياة السياسية أيضاً ممنوع ومستحيل. ولذلك، فإن "فتح" اليوم في الضفة تعاني على الرغم من أن مليارات من الأموال تُدفع إلى خزينة السلطة، إلى الدكتور فياض والرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن أبو مازن لا يمكن أن يحكم وأن يسود بلا شراكة، وبلا أن يشعر بأنه يمثل الشعب الفلسطيني كله في غزة وفي الضفة وفي بقية مناطق الوطن الفلسطيني. و"حماس" في غزة، مع أنها تحكم غزة، إلاّ إنها لا تشعر بالاستقرار لأن [ثمة] شيئاً منقوصاً، وهي تشعر بأنها لا تمثل جميع الشعب الفلسطيني، وبالتالي نحن نريد أن ننهي الأزمة الداخلية.
هذا الشعور ساعد في نهاية المطاف في الاقتراب من موضوع المصالحة، ووصلنا إلى 4/5/2011 عندما وقّعنا اتفاق المصالحة في القاهرة وبرعاية مصرية كريمة، لكن هذا الاتفاق لم يُطبّق حتى الآن. لذلك ما زال هناك بعض السلوكيات الخطأ .. وبالتالي إذا أردنا أن نصل بسرعة إلى المطلوب فلا بد من تطبيق اتفاق المصالحة، ولا بد من الالتزام باتفاق القاهرة.
س - ما هي أهم المعوقات أمام المصالحة؟ الانطباع هو أننا لسنا ذاهبين في اتجاه مصالحة، وإنما نحو "فدرالية" تعكس استمرار هيمنة "فتح" في الضفة على أن تستمر هيمنة "حماس" في غزة، وعملياً ثمة اتفاق ضمني على التعايش أكثر ممّا هو مشروع مصالحة؟
ج - الموجود الآن هو إدارة انقسام وتعايش مع الانقسام، لكن المطلوب إذا طبّقنا اتفاق القاهرة أن ننتقل من التعايش وإدارة الانقسام إلى الشراكة السياسية، الشراكة في إدارة السلطة ومؤسساتها، والشراكة الوطنية في بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ويجب أن نميز هنا بين الشراكة السياسية والشراكة الوطنية. الجهاد ستكون جزءاً من الشراكة الوطنية لكنها لن تكون جزءاً من الشراكة السياسية في السلطة، وبالتالي نعم يجب أن ننتقل من حالة إدارة الانقسام والتعايش مع الانقسام إلى حالة من الشراكة والمصالحة. وهناك بعض المعوقات، أبرزها الملفات التي تولّينا نحن في لجنة الحريات إنهاءها مثل مسألة المعتقلين السياسيين.
إن أبرز المعوقات قضايا لها علاقة بالمعتقلين السياسيين في غزة والضفة الغربية. وأنا هنا لا أتحدث عن معتقلين في غزة أو الضفة، وإنما عن معتقلين سياسيين. مَن يثبُت أنه اعتُقل على خلفية سياسية تنظيمية يجب أن يُفرج عنه. هذا الموضوع لم يُحَل. موضوع الحريات العامة لم يُحَل لا في الضفة ولا في غزة. موضوع فتح المؤسسات والعمل النقابي والسياسي للفريقين لم يُحَل كما يجب، لا "فتح" في الضفة تعمل، ولا "حماس" والجهاد في غزة يعملان. وموضوع العمل الصحافي الحر ـ موضوع الصحف ـ لم يُحَل. موضوع الاستدعاءات والاعتقالات مستمر، وكذلك موضوع المفصولين وظيفياً، أي 1240 موظفاً مفصولين على [أساس] الخلفية السياسية.
س - ... أتقصد في قطاع غزة؟
ج - لا، في الضفة. في غزة الوضع مختلف. هذه كلها معوقات. والأبرز من ذلك أننا لم نبدأ بتأليف حكومة مع أنه جرى الاتفاق في 20/6/2012 على عقد لقاء بين الرئيس أبو مازن ورئيس المكتب السياسي لـ "حماس" خالد مشعل كي نبدأ بمشاورات تأليف حكومة، وهذا أيضاً معوق. اليوم أيضاً هناك تعليق عمل لجنة الانتخابات في قطاع غزة، وهذا أيضاً عامل استفزاز آخر بدأ يظهر. موضوع الدماء، موضوع ضحايا القتال الداخلي والمصالحة الاجتماعية، وإغلاق ملف الدم والمصالحات، أمور لم نبدأ بها بعد. لكن لو بدأنا بتأليف الحكومة على الأقل، فإن هذه الحكومة ستأخذ على عاتقها قضايا مثل توحيد المؤسسة الأمنية، والإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، وكذلك موضوع إنهاء ملف الدماء. هذا كله كان يجب أن يتم، لكن هذه الملفات كلها الآن دونها معوقات، أو هي ربما مشلولة، ليس فيها تقدم. ومن هنا أنا أدعو مرة أُخرى الرئيس أبو مازن والرئيس مشعل إلى الإسراع في عقد جلسة، وأدعو أبو مازن تحديداً إلى بدء مشاورات تأليف حكومة الوفاق كي تبدأ خطوات استعادة توحيد المؤسسة وبث بشائر الخير والنصر، وعلى الأقل البدء بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
س - ثمة وجهة نظر تقول إن الطرفين مرتاحان في الوضع الحالي؟
ج - لا شك في أن الطرفين في هذه الحالة يديران انقساماً، وكل فريق مرتاح إلى ما هو عليه، "كل واحد قاعد على منطقة ياخد ضرايب وبعيش حياته"، لكن هذا وضع لا يقبل به أي فلسطيني.
س - لا يقبل به أحد وفي الوقت نفسه لا توجد ضغوط كافية؟
ج - نعم.. .اتفاق. لو أنه ليس هناك اتفاق لقلنا اضغطوا من أجل توقيع اتفاق، لكن ليس هناك تطبيق للاتفاق، هناك رعاية مصر وضمان مصير هذا الاتفاق، ولذا يتعيّن على مصر أن تضغط الآن كي تجبر الفريقين على تنفيذ الاتفاق.
س - يعني أنت تتوقع ضغوطاً مصرية؟
ج - أنا أتوقع الآن بعد صول الرئيس محمد مرسي إلى السلطة في مصر أن يكون الضغط أكبر على "حماس" و"فتح"، لأن مرسي قادر على التأثير فيهما، بينما مبارك كان في الماضي يضغط على جهة واحدة. اليوم مرسي يضغط على الجهتين، وبالتالي فإنه سيكون أكثر تأثيراً في ملف المصالحة. إن تأليف حكومة جديدة في مصر ربما يساعد، لكن في الأساس هناك المخابرات، فالإخوة الكرام في جهاز المخابرات العامة [المصرية]، هم الذين يتابعون هذا الملف. المطلوب الآن الضغط على الفريقين من أجل العودة إلى تطبيق الاتفاق، ومن هنا أدعو الرئيس أبو مازن إلى بدء المشاورات لتأليف حكومة الوفاق كي نبدأ بعدها استكمال خطوات المصالحة وصولاً إلى برنامج منظمة التحرير الفلسطينية.
س ــ هناك وجهة نظر ترى أن الانقسام هو انقسام سياسي بين "فتح" و"حماس" في الشكل، أمّا في المضمون فهناك نجاح لسياسة إسرائيلية بدأت حتى قبل أوسلو، في مطلع التسعينيات، للفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك مَن يقول إن الفصل الشامل بين الضفة وقطاع غزة نجح إلى درجة أنه لو لم تفز "حماس" في انتخابات 2006 لكان الانقسام حدث بين "فتح" غزة و"فتح" الضفة. هل توافق أن جذور الانقسام أعمق كثيراً من انقسام سياسي بين تنظيمين؟
ج - لا. أنا لا أتفق مع هذا الأمر، لأنه مع أن جذور الانقسام أعمق وأن الشعب الفلسطيني يمكن أن يكون منقسماً بشكل تلقائي، إلاّ إن هناك احتلالاً فرض هذا الانقسام على الشعب الفلسطيني.[رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق أريئيل] شارون أعلن قبل الانسحاب من غزة أنه يجب إعطاء الشعب الفلسطيني شيئاً يختلفون عليه. هذا ما قاله شارون قبل شهر من الانسحاب من غزة. قال يجب أن نعطي الفلسطيني شيئاً يختلف عليه الفرقاء، وفعلاً، كانت هذه عظمة رُميت في الملعب الفلسطيني كي تختلف عليها السلطة وغيرها وهذا ما حدث؛ بمعنى آخر وقعت "فتح" و"حماس" في هذه اللعبة التي أرادها شارون وجماعته.
س - بناء على كلامك، نجح شارون. لكن هل من الممكن إفشال المشروع؟ أنت ترى أن الانقسام مبني على اختلافات سياسية، لكن ثمة وجهة نظر تقول إن السياسة والبرنامج السياسي وغيرهما لا دخل لهما في الموضوع، وإنما هي مسألة تضارب مصالح؟
ج - الأساس أن هناك انقساماً (سياسياً)، لكن هناك قضايا أصبحت تطيل في عمره. فقد نمت مصالح، وهناك أصحاب مصالح، وفئات كبرت في الضفة وغزة تتغذى من الانقسام ولا تسمح بإنهائه، بل إن إنهاءه ربما يضر بمصالحها، وهذه الفئات لم تكن موجودة، لكنها وُجدت وأصبح الانقسام رافداً أساسياً لاستمرار وجود أصحاب المصالح وأصحاب الوظائف العليا الوزراء في الفريقين. بصراحة بعضهم لا يتمنى إنهاء الانقسام، وبالتالي نعم نمت مجموعة مصالح في إثر الانقسام تعرقل المصالحة ولا تريد إنهاء هذا الشريان الذي يمدها بالحياة.
س – حركة الجهاد الإسلامي لها وجود في الضفة في ظل حكومة "فتح"، ولها وجود في قطاع غزة تحت حكم "حماس"، وهي في الحالتين رافضة أن تدخل السلطة ـ سواء عبر الحكومة أو المجلس التشريعي. ما هو تقويمك للحالتين، هل هناك فوارق كثيرة بين النظامين ("فتح" و"حماس")؟
ج - نحن في حركة الجهاد الإسلامي مشروعنا واحد، كما قلت لك، نحن ندرك أننا في مرحلة تحرر وطني، والطريقة الوحيدة للتعامل معها هي البندقية والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن كيف نعامل الحكومتين في غزة والضفة الغربية؟ بلا شك أن حركة الجهاد الإسلامي في غزة، بصرف النظر عن الحكومة الموجودة، هي حركة قوية وتمتلك إمكانات، ووجود حكومة في غزة كحكومة "حماس" التي يُعتبر أداؤها في موضوع المقاومة أفضل كثيراً، فهذه الحكومة في غزة على الأقل لا تعوق عمل رجال المقاومة، وإلاّ كيف يمكن للجهاد الإسلامي أن تقود معركة لأربعة أيام بالصورايخ في آذار / مارس الماضي والكل يشهد عليها؟ هذا الأمر غير موجود في الضفة الغربية لأسباب كثيرة. لكن نحن لا نتعامل بعداء مع أي حكومة لا في غزة ولا في رام الله. الحكومتان بالنسبة إلينا هما أشقاء، وإذا اختلفنا معهما في السياسة أو في الأداء فإن الأمور لا تصل معهما إلى حد الاشتباك أو القتال، ونحن ندير علاقاتنا معهما بالحوار والتفاهم، ونحرص على علاقة جيدة مع الفريقين: الذي يعطي ويدعم المقاومة، أو الذي يعرقل المقاومة.
معركة آذار / مارس
س - عودة إلى معركة آذار [مارس]، كان انطباعنا أنه لأول مرة، ليس فقط أن الجهاد هي التي بادرت إلى الصراع مع إسرائيل بشكل ملحوظ، و"حماس" كانت في الخلف، بل عندما بدأت المفاوضات فإن السلطات المصرية، بحسب معلوماتي، وربما لأول مرة، رتبت وقف إطلاق النار عن طريق اتصالات مع الجهاد الإسلامي وليس مع "حماس"، وإن هذا أثّر في العلاقة بين الفصيلين، وخسرت "حماس" مكانتها كعنوان رئيسي ووحيد لأي وساطة بشأن علاقة القطاع مع الطرف الإسرائيلي والطرف المصري؟
ج ــ دعنا نبدأ بالطرف الإسرائيلي. عادة عندما يطرأ في غزة توتر وعدوان إسرائيلي، فإن الطرف الذي يتصل بنا هو المصريون وليس أي طرف آخر. عندما يحدث توتر في غزة، فإن السلطة الفلسطينية الممثلة في الرئيس أبو مازن، والحكومة في غزة الممثلة في حكومة إسماعيل هنية، والمصريين، هم كلهم خط اتصالنا في الجهاد الإسلامي. يحدث تصعيد، أو حرب، أو توتر، فنبدأ بالرد كمقاومة على هذا العدوان، وتبدأ الأطراف بالتفكير في وقف العدوان ووقف التوتر، وتجري بالتالي اتصالات مع المصريين الذين يتحدثون مع الإخوة في الحكومة في غزة والإخوة في السلطة في رام الله، وبالتالي هذا هو مثلث علاقاتنا في موضوع الاتصالات، وليس هناك أي طرف آخر خارج حدود هذا المثلث.
في معركة آذار / مارس، الإسرائيلي بدأ كالعادة بالتغطرس قصفاً وضرباً واغتيالاً، وتوقّع أن الناس ستصمت. نحن أخذنا قراراً بألاّ نسكت وألاّ نموت صامتين وأن نواجه المحتل. وفعلاً، وبفضل الله سبحانه وتعالى، بدأت المعركة على غير ما توقّع الإسرائيلي من حيث القدرة على التصويب والرماية والاستمرار وحجم الإطلاقات، وحتى الصمود في الموقف. يعني نحن لأول مرة في تاريخ الحياة الفلسطينية نجبر الإسرائيلي على الاعتراف بتعهد للمصريين بوقف الاغتيالات. كل مَن تكلم معنا، الفلسطيني وغير الفلسطيني، كان يقول لن يحدث ذلك، لن تأخذوا هذا التعهد: "أبو عمار بعظمته ما قدر يجيب هيك كلام." لكن في النهاية اضطر الإسرائيلي إلى أن يستجيب، عبر الوسيط المصري وعبر المفاوض المصري، لشروط الشعب الفلسطيني، وتعهد في هذه المعركة، وفي هذا الفصل وفي هذه الحصة القتالية، بأن يوقف وأن يستجيب لشروط الشعب الفلسطيني. وهذا كان انتصاراً كبيراً لحركة الجهاد، وللمقاومة عامة في قطاع غزة.
س - ما هو تفسيرك لطبيعة الموقف الإسرائيلي؟
ج - لأن الإسرائيلي أدرك أنه يحارب الجهاد الإسلامي التي ليس لديها ما تخسره، وأن قرارها عندها ولا تضع حسابات كثيرة، وأن حساباتها معروفة، وبالتالي، فإن الاستمرار في مجاراة الجهاد في المعركة ستكون خسارة كبيرة لإسرائيل، وخصوصاً إذا وسّعت الجهاد مرمى ومدى قذائفها، الأمر الذي ربما يُدخل الكيان في مرمى الفوضى والانهيار النفسي.
س- لكن هناك مَن يرى أن هذا التهديد كان موجهاً إلى إسرائيل، وبشكل غير مباشر، إلى حكومة "حماس" في غزة أيضاً؟
ج - نحن لا نتعامل بهذه الطريقة مع الحكومة في غزة، حكومة "حماس" في نهاية المطاف قدمت الدعم.
س - أنا لا أقول إنكم هددتم حكومة "حماس"، لكن "حماس"، أو السلطة في غزة، يمكن أن تكونا قد شعرتا بأنهما مهددتان في حال توسيع الصراع، على أساس أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى اجتياح إسرائيلي أوسع للقطاع؟
ج - قد يكون هذا الشعور راود البعض، لكن الحكومة أعلنت أنها حكومة دعم للمقاومة وتتحمل مسؤولية حماية الشعب، وبالتالي مَن يعلن شعار المقاومة يتحمل النتائج.
الجهاد و"حماس"
س - حركة الجهاد الإسلامي نشأت في نهاية السبعينيات في فترة كانت حركة الإخوان المسلمين في غزة تعطي العمل الديني والثقافي الأولوية، وكانت تتجنب الصراع مع إسرائيل، والجهاد معروفة بأنها شرارة الانتفاضة الأولى بالنسبة إلى العمليات التي نفذتموها في سنتَي 1986 و1987، لكن الوضع اختلف لاحقاً تماماً عندما أسست حركة الإخوان المسلمين حركة "حماس". السؤال هل كان كثيرون من الأعضاء المؤسسين في الجهاد الإسلامي من الإخوان المسلمين سابقاً؟
ج - بعضهم وليس كلهم.
س - بما أنكما تنظيمان إسلاميان، هل فكرتم ـ في الجهاد ـ أن تندمجوا بـ "حماس"؟ وما هو الفارق بينكما؟
ج - كما تفضلت أنت، في بداية الانتفاضة الأولى كانت العمليات شرفاً لا تدّعيه الجهاد الإسلامي، وإنما تؤكده الوثائق، حتى إن الإسرائيليين كتبوا عن ذلك. ارجع إلى كتاب "الانتفاضة" لزئيف شيف وإيهود إيعاري، إذا أردت، وستجد أنهما تحدثا عن الجهاد الإسلامي وعود الثقاب الذي أشعل انتفاضة سنة 1987 بعملياته وبضرباته وبحشد الجماهير الهائلة، وبالتالي كان للجهاد الإسلامي الفضل في تفجير الانتفاضة، أو بمعنى آخر، أن تعود البندقية المسلمة إلى العمل في ساحة فلسطين، وألاّ تكون البندقية الإسلامية بعيدة عن فلسطين، أي أن يكون لها دور إلى جانب البندقية الوطنية من أمثال "فتح" والجبهة الشعبية وغيرهما.
لقد بدأت الجهاد هذه الانتفاضة وفجّرت عمليات كبيرة ضد المحتلين، وهذا الأمر ربما حفز الإخوان المسلمين على أن ينشئوا حركة "حماس" في سنة 1988، أو سنة 1989، لا أذكر، أو على الأقل في سنة 1987 خلال الانتفاضة في كانون الثاني / يناير، أو شباط / فبراير. بكل الأحوال نحن نرحب دائماً بدخول جميع القوى إلى ساحة المعركة ضد المحتل الإسرائيلي.
أمّا عن سؤالك عن الفارق بين الجهاد وحركة "حماس" ولماذا لا تتوحدان؟ فأقول نحن دعاة وحدة، ودائماً ندعو إلى وحدة الأمة العربية والإسلامية، وندعو إلى وحدة عربية قوية، وإلى تشكيل إمبراطورية عربية أو ولايات متحدة عربية أو إسلامية. نتمنى ذلك، لكن هذا الأمر ليس سهلاً، ومقومات هذا الأمر لم تقم بعد كي نتحدث عن ولايات، هناك شروط اقتصادية وصناعية وسياسية واجتماعية، وهذه الأمور حتى الآن غير جاهزة، وربما تنضج في المستقبل.
س - ماهي الاختلافات؟
ج - لا توجد اختلافات جوهرية، لكن هناك اجتهادات سياسية. نحن انطلقنا في الجهاد قبل "حماس"، ثم إننا حرصنا دائماً على ألاّ نكون طرفاً في النزاع الداخلي، كما أننا لم ندخل إلى السلطة حتى هذه اللحظة. واجتهادنا معروف ونحن نشكل ساحة لقاء للوطنيين والإسلاميين على أرض فلسطين، ولم نشهر موقفاً معادياً لأحد لا لـ "حماس" ولا للوطنيين، وبالتالي لا نختلف مع "حماس" في مشروعنا باعتبار أنها إسلامية مثلنا، ولا نختلف لا على التوحيد ولا على السنّة ولا على صلاة الظهر والعصر ولا المغرب. ربما نختلف في التكتيكات بالمقاومة والتنافس الشريف في العمليات والمجاهدين، لكن في نهاية المطاف هناك بعض الاختلافات وليس الخلافات. الاختلافات أن "حماس" اختارت أن تكون شريكاً كبيراً في السلطة، بينما لا تزال الجهاد تعتبر نفسها حركة تحرر وطني، وأن الأولوية بالنسبة إليها هي المقاومة، وليس الشراكة في السلطة.
س – بالنسبة إلى الاجتهاد، ومواقف القائد الشهيد فتحي الشقاقي طبعاً معروفة لجهة أنه حاول أن يوحّد بين القومي والإسلامي والسنّة والشيعة، وما دامت حركة الإخوان المسلمين معروفة بأنها حركة سنّية، فهل هذا عامل مهم بالنسبة إلى الاختلاف بين الحركتين؟ ربما تعتبر حركة إلإخوان المسلمين أن الجهاد الإسلامي عامل تشيّع؟
ج - نبدأ بالنقطة الأولى فنقول أننا شكّلنا نقطة لقاء أو ساحة لقاء بين القومي والإسلامي، وبين الوطني والإسلامي، ولم نعلن حالة عداء واستنفار أو نفور بين التيارين، ومن هنا جاءت فكرة التوحيد بين الوطني والإسلامي، وأنشأنا مؤتمراً في بيروت سُمي المؤتمر القومي الإسلامي كي نجمع بين التيارين ونعلن أن الخلاف ليس بين القومي والإسلامي. فالقومي والإسلامي يتكاملان في مواجهة المشروع الأميركي والإسرائيلي والإمبريالي الدولي، وهذا أعطى الجهاد الإسلامي صدقية أكثر وانفتاحاً أكبر. أمّا فيما يتعلق بموضوع الشيعة والسنّة، فنحن كمسلمين لا نرى أن هناك فارقاً بين المسلمين السنّة والشيعة، هم مسلمون مثلنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. وبالنسبة إلى الشيعة هناك فتاوى، وخصوصاً الشيعة الإثني عشرية، بأنها مذهب يجوز التعبد به كما أفتى الأزهر، لكننا لا ندعو الناس، لسنا متشيعين ولا ندعو إلى التشيّع، ونعتبر أن مذهب أهل السنّة والجماعة أكمل من مذهب الشيعة، لكن لا نكفّر هؤلاء الناس، هؤلاء أهلنا في العقيدة، لا نعلن لهم العداء، ولا نرحّب بأي دعوة إلى التمزيق. والتمزيق والمذهبية، يا سيدي الفاضل، كانا من أهم دعوات، أو من أهم ركائز مشروع [وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية السابقة] كوندوليزا رايس في الشرق الأوسط الجديد في سنة 2006، القائم على الطائفية والمذهبية وتمزيق الشرق الأوسط، وأيضاً على إبقاء حالة من الاشتباك المستمر بين الشيعة والسنّة، أو بين المذاهب، كي تبقى إسرائيل آمنة مطمئنة في فلسطين، ولا يعكر صفوها أحد. وبالتالي، عندما يأتي أحد اليوم وينفخ في الحرب الطائفية أو المذهبية، فإنه يخدم إسرائيل.
[نشرت هذه المقابلة للمرة الأولى في "مجلة الدراسات الفلسطينية"]